عدد المساهمات : 193 نقاط : 501 تاريخ التسجيل : 13/09/2009 العمر : 35 الموقع : alger
موضوع: ادرار بلد العز والكرامة الأحد سبتمبر 27, 2009 10:20 am
زيارة الصحراء الجزائرية.. فرصة للتعرف إلى كثبانها ونباتاتها
تروي لزوارها التاريخ وتعرفهم على جغرافيا من نوع آخر
أدرار (الصحراء الجزائرية)
تعتبر الصحراء الجزائرية من أكبر وأروع الصحاري في العالم، وهي غنية جدا بالشواهد التاريخية التي هي جزء من الذاكرة المحفوظة للمنطقة، حيث تروي لزوارها تلك الحقب الزمنية المتعاقبة والحضارة الإنسانية التي عرفتها، والمتجلية أساسا في الغابات المتحجرة التي تعود إلى أزمنة جيولوجية غابرة إضافة إلى مواقع الكتابات البربرية التي تحمل رسائل مشفرة كانت بمثابة وسائل اتصال بين القوافل التجارية، حيث كانت الصحراء محطة عبور مهمة تربط شمال القارة الأفريقية بجنوبها. فمناطق الجنوب الجزائري تمتلك إمكانيات سياحية هائلة جدا من خلال شساعة ترابها مما جعل منها مقصدا سياحيا لكافة المجتمعات خاصة المجتمع الأوروبي الذي أدرك جيدا أن المنطقة ذات جاذبية في الأسواق السياحية الدولية.
فثراء المنطقة المتعدد يربطها ببعد أفريقي وبربري وعربي إسلامي من جهة العمران والمعتقدات والفنون الشعبية والنشاط التجاري والاقتصادي، فهذا الموروث الحضاري متعدد الأنواع فسح المجال لعرض المنتوج السياحي الثري (سياحة ترفيهية ـ سياحة بيئية ـ سياحة ثقافية). ولعل من أبرز المناطق التي تحمل هذه المقومات في الجنوب الجزائري نجد ولاية إدرار (محافظة) التي تتميز بموقع استراتيجي في الصحراء الكبرى وهي حلقة ربط بوادي الساورة ومنطقتي الميزاب والهقار. تنتشر بها واحات النخيل ومجار للمياه لا تنحدر من جبال ولا شلالات بل من آبار عميقة متعددة متصلة ببعضها البعض يطلق عليها بالاسم المحلي الفقارة وهي من اختراع سكان المنطقة الذين اهتدوا إلى هذه الفكرة لضمان الحياة والاستقرار بالصحراء وهذا النوع من السقي التقليدي كان محل اهتمام ومتابعة من قبل جامعة طوكيو اليابانية لما ناقش الباحث كوبوري رسالة دكتوراه حول نظام السقي في ولاية إدرار في أبريل (نيسان) سنة 2004، كما تجذب الزائر للمنطقة المناظر الخلابة لكثبان الرمال بعرق شاش أو العرق الغربي الكبير إضافة إلى سحر جمالها عند مشاهدة المغيب الذي صنف من أروع غروب الشمس في العالم. فضلا عن المناطق الرطبة المتنوعة والرسوم والنقوش الحجرية التي تعطي بعدا تاريخيا للمنطقة. إدرار هي منطقة ذات أصول بربرية (زناتية) وتعني الحجرة، تقع بأقصى الجنوب الجزائري على بعد 1500 كلم عن العاصمة، تشترك في حدودها الجنوبية مع دولة مالي ومن الجنوب الغربي مع موريتانيا، تتربع على مساحة تقدر بـ427968 كلم مربع، تنقسم إلى 11 دائرة و28 بلدية موزعة على أربع مناطق جغرافية هي القورارة توات تيديكلت وتنزروفت ولكل منطقة خصوصياتها ومعالمها مما يعكس التنوع الثقافي والسياحي للمنطقة التي يقطنها أزيد من 340000 ساكن. تعرف إدرار نوعين من المناخ، مناخ شبه صحراوي يمتد من تيميمون بإقليم القورارة إلى بشار غربا، ومناخ صحراوي يمتد من تيميمون إلى تيمياوين جنوبا بصحراء تنزروفت. وبذلك تعيش تباينا في درجة الحرارة التي تصل بها إلى 45 درجة تحت الظل خلال فصل الصيف وتنخفض إلى درجة الصفر في فصل الشتاء. يتكون وسطها الطبيعي من الهضاب التي تغطي مساحة معتبرة من الولاية وهي ذات تكوينات جيولوجية مختلفة. العروق التي تتألف من كثبان رملية تمتد على ما يقارب نصف المساحة الإجمالية للولاية تكونت عبر مراحل زمنية طويلة وهي تضم العرق الغربي الكبير وعرق شاش. وأيضا السبخات وهي مناطق منخفضة نشأت في مجاري أودية قديمة وعريضة وتتكون السبخات من بقايا رسوبية وكلسية وغالبا ما تكون ذات تربة مالحة. أما الغطاء النباتي فيتميز بنوعيته الصحراوية وهو ينتشر في البساتين والحقول والواحات ويميز إدرار الغطاء النباتي البري خاصة بدائرة برج بأجي المختار ومن أهم الأصناف النباتية الرتم ساليفا اريستيدا. تحتوي إدرار على مؤهلات سياحية كبيرة كغيرها مثل باقي مناطق الجنوب الجزائري مما جعلها قبلة للحجيج الأوروبيين على مدار السنة وهذا نظرا لطبيعتها الساحرة مما يوحي لزائرها بأنه في عالم شاسع واسع اجتمعت فيه كل مفاتن الصحراء وهي ترسم لوحة متآلفة بأحجامها وأشكالها وألوانها حيث تمتزج في هذه اللوحة اخضرار واحاتها بأحمر بناياتها واصفرار أرضها ورمالها الذهبية، مشكلة بذلك مشهدا دراماتيكيا شد انتباه الفنانين التشكيليين والروائيين والشعراء وجميع المبدعين.
فالزائر للمنطقة لا تفارق عيناه منظرا إلا ويشد إلى آخر ليبقى منبهرا أمام تلك الواحات الخضراء التي تنبض بالحياة وكثبان الرمال التي تحسبها محيط أمواج ثابتة يمتد إلى ما لا نهاية، مغارات طبيعية تكتنز خبايا الجمال الأزلي وأسرار الصحراء السرمدية حتى تتساءل عن أصل هذه الروعة وسواقي وأودية تزرع الحياة وسبخات تعيش على ضفافها نباتات وحيوانات وطيور متآلفة. كما تزخر المنطقة بمواقع طبيعية رائعة تفتح المجال واسعا أمام السياحة البيئية وضرورة المحافظة على المحيط الذي يتميز بانتشار الواحات والمناطق الرطبة المصنفة عالميا وهذا ما يجعل الطبيعة البيئية بها ترتسم والحيواني والطبيعي. بأفضل الأشكال والأبعاد والألوان بالنظر إلى ذلك التنوع النباتي. وتلعب الجمعيات المحلية دورا بارزا في الحفاظ على مقومات السياحة البيئية باعتبارها من بين المكتسبات التي تساهم في ارتفاع الحركة السياحية التي تتوافد على المنطقة خاصة من الضفة الأخرى للمتوسط ومن بين هذه الجمعيات الجمعية الوطنية لحماية البيئة ومكافحة التلوث، حيث أشارت منسقة الجمعية بالمنطقة رقية طاهيري أن أهمية الحفاظ على التنوع النباتي الموجود بهذه المنطقة الصحراوية والعمل على توسيع وجوده أمر ضروري جدا لضمان استمرار هذه الطبيعة الخلابة التي تشد انتباه زائريها من داخل وخارج الوطن، وعلى هذا الأساس تقوم الجمعية بتسطير برامج تحسيسية وتوعوية سنوية لفائدة أطفال المدارس التربوية وتأسيس نواد خضراء من أجل غرس قيم المحافظة على المحيط والحرص على توسيع الغطاء النباتي والرفع من درجة الحس البيئي في الوسط الاجتماعي لأن السياحة البيئية تعتمد على الغطاء النباتي المتمثل أساسا في واحات النخيل ومجاري المياه التي عمدت إلى تشكيل نظام بيئي مصغر لأنواع نباتية مختلفة تشجع على تجمع أنواع حيوانية باختلاف أجناسها. وهذه المبادرة كانت لها انعكاسات إيجابية على المحمية الطبيعية بتينركوك حوالي 350 كلم شمال عاصمة الولاية والتي تتربع على مساحة 350 هكتارا والمنطقة الرطبة بأولاد سعيد تيميمون. ومن بين أهم الأماكن السياحية التي تثير اهتمام الأوروبيين نجد تمنطيط الواقعة على بعد 15 كلم جنوب إدرار التي تحتوي على منطقة رطبة مصنفة من قبل المنظمة العالمية لتصنيف المناطق الرطبة (رام سار) سنة 2001 وتتربع على مساحة 95700 هكتار بها منسوب وفير جدا من المياه الجوفية ومجموعة واحاتية مترامية الأطراف تعتمد طريقة السقي التقليدي أي المجاري المائية النابعة من الفقارة. وأشارت دراسة علمية قامت بها الباحثة لمريض كلثوم مهندسة دولة في البيئة النباتية ومتخرجة في معهد العلوم الطبيعية بجامعة سعيدة (شمال غربي الجزائر) إلى أن هذه المنطقة غنية جدا بالأنواع النباتية التي تجعل المنطقة خالية من الأمراض ونظرا للعلاقة الوطيدة بين الإنسان والمحيط فإن هذا التنوع النباتي يسهم في إثراء وازدهار الصناعة التقليدية التي تتميز بها المنطقة وهي تشارك في عدة معارض دولية كما يوجد بالمنطقة أنواع مختلفة من الطيور المهاجرة التي تجد ضالتها بالبحيرات خاصة في كوسام إضافة إلى وجود نوع من السمك يسمى (القامبازيا). وشهدت تمنطيط زيارة المؤرخين والرحالة نظرا لقيمتها العلمية والتاريخية والحضارية أمثال ابن بطوطة ووردت في كتابات ابن خلدون الذي زارها أيضا وليون الأفريقي أثناء رحلته نحو تيمبكتو شمال دولة مالي. ومع مطلع السنة الجارية كانت المنطقة محل اهتمام باحثين كنديين وفرنسيين من خلال وقوفهم على خصوصيات المنطقة وأيضا سياح إسبان وألمان وآخرين من النمسا. ولعل من بين أنواع السياحة التي تتميز بها إدرار نجد السياحة العلاجية أو الاستشفائية المنتشرة أساسا ببلدية بودة 28 كلم جنوب إدرار هذه المنطقة الواقعة بين جبال الرمال التي تحيط بها من مختلف الجهات مع وجود واحات النخيل التي أضفت عليها روعة وجمالا يتوسطها منبع طبيعي للمياه يسمى (عين لالا الشافية) التي تستقطب آلاف الزوار سنويا من أجل الاستجمام والعلاج عن طريق حرارة الرمال حيث يعكف سياح هذه المنطقة على ردم جميع أعضاء الجسم في الرمل لبضع ساعات ثم بعد ذالك يتوجهون إلى منبع المياه (العين) للاستحمام ثم دلك المفاصل وبعدها يحس الزائر براحة كبيرة جدا. وللاستفسار عن هذا توجهنا إلى مكتب الدكتور طيب كشناوي طبيب مختص بالمؤسسة الاستشفائية بإدرار، فأوضح لنا أن هذه العملية تنتشر في الواحات ذات الطابع الصحي وهي علاج ناجع لأمراض المفاصل وعملية العلاج تتم بالطاقة الحرارية وهو مفعول يعمل على تقوية وصلابة العظام وتتم بواسطة الرمل وأشعة الشمس إلا أنه يستثنى من هذا العلاج المصابون بأمراض القلب والشرايين والضغط الدموي. ويضيف الدكتور أن هذا العلاج يتم في أواخر شهور الصيف وبداية الخريف والعملية تكون عند غروب الشمس وقبل ذلك يجب على المصاب بأمراض المفاصل أن يجري فحصا طبيا دقيقا قبل الشروع في عملية العلاج بواسطة الطاقة الحرارية وسط الرمال الواحاتية. خصوصيات السياحة الصحراوية بإدرار لا تتوقف عند هذا الحد فحسب، فهناك الكثير جدا، وعلى سبيل المثال لا الحصر الغابات المتحجرة بأولف بأقصى الجنوب والمغارات والكهوف بتماسخت وايغزر والتي يتأمل إليها السائح الأوروبي كثيرا لأنها تعكس حضارة يعود عمرها لآلاف السنين. ويمكن القول إن المنطقة يتوافد إليها ما يقارب 7000 سائح أجنبي طوال السنة وهذا الإقبال يعتبر الأحسن منذ مطلع الألفية بعد تراجع الحركة السياحة بالجزائر خلال التسعينات ومن بين زوار المنطقة نجد السياسيين والباحثين والفنانين وحتى الرياضيين. وتسعى الدولة الجزائرية إلى تطوير السياحة بالجنوب من خلال فتح المجال للمستثمرين الأجانب لتحقيق مشاريع فندقية متنوعة وإقامة مخيمات بيوت الشباب ووكالات سياحة وأسفار، كما وقعت وزارة تهيئة الإقليم والسياحة والبيئة عديد الاتفاقات مع شركات طيران ووكالات سياحية لتنظيم رحلات مباشرة من أوروبا إلى المنطقة خاصة مع نهاية السنة وفي المواسم والأعياد كما أن هناك وفدا إماراتيا زار أخيرا المنطقة مبديا اهتمامه باقتحام مجال الاستثمار في السياحة بالجنوب الجزائري وهو الأمر نفسه لوفد من كوريا الجنوبية.